سورة طه - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)}
السؤل: الطِّلبة، فعل بمعنى مفعول، كقولك: خبز، بمعنى مخبوز. وأكل، بمعنى مأكول.


{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)}
الوحي إلى أم موسى: إما أن يكون على لسان نبيّ في وقتها، كقوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} [المائدة: 111] أو يبعث إليها ملكا لا على وجه النبوة، كما بعث إلى مريم. أو يريها ذلك في المنام فتتنبه عليه أو يلهمها كقوله تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68] أي أوحينا إليها أمراً لا سبيل إلى التوصل إليه ولا إلى العلم به إلا بالوحي، وفيه مصلحة دينية فوجب أن يوحي ولا يخلّ به، أي: هو مما يوحى لا محالة وهو أمر عظيم، مثله يحق بأن يوحي {أَنِ} هي المفسرة لأن الوحي بمعنى القول. القذف مستعمل في معنى الإلقاء والوضع. ومنه قوله تعالى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} [الأحزاب: 26] وكذلك الرمي قال:
غُلاَمٌ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْحُسْنِ يَافِعَا ***
أي حصل فيه الحسن ووضعه فيه، والضمائر كلها راجعة إلى موسى. ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت: فيه هجنة، لما يؤدي إليه من تنافر النظم.
فإن قلت: المقذوف في البحر هو التابوت، وكذلك الملقى إلى الساحل.
قلت: ما ضرّك لو قلت: المقذوف والملقى هو موسى في جوف التابوت؟ حتى لا تفرق الضمائر فيتنافر عليك النظم الذي هو أم إعجاز القرآن والقانون الذي وقع عليه التحدّي، ومراعاته أهم ما يجب على المفسر. لما كانت مشيئة الله تعالى وإرادته أن لا تخطيء جرية ماء اليم الوصول به إلى الساحل وألقاه إليه، سلك في ذلك سبيل المجاز، وجعل اليم كأنه ذو تمييز، أمر بذلك ليطيع الأمر ويمتثل رسمه، فقيل {فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل} روي أنها جعلت في التابوت قطناً محلوجاً، فوضعته فيه وجصصته وقيرته، ثم ألقته في اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير، فبينا هو جالس على رأس بركة مع آسية إذا بالتابوت، فأمر به فأخرج ففتح، فإذا صبيّ أصبح الناس وجهاً، فأحبه عدوّ الله حباً شديداً لا يتمالك أن يصبر عنه. وظاهر اللفظ على أنّ البحر ألقاه بساحله وهو شاطئه: لأنّ الماء يسحله أي يقشره وقذف به ثمة فالتقط من الساحل، إلا أن يكون قد ألقاه اليم بموضع من الساحل فيه فوّهة نهر فرعون، ثم أدّاه النهر إلى حيث البركة وألقيت عليك محبة مني {مِّنِّى} لا يخلو إما أن يتعلق بألقيت، فيكون المعنى على: أني أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب. وإما أن يتعلق بمحذوف هو صفة لمحبة، أي: محبة حاصلة أو واقعة مني، قد ركزتها أنا في القلوب وزرعتها فيها، فلذلك أحبك فرعون وكل من أبصرك. روي: أنه كانت على وجهه مسحة جمال، وفي عينيه ملاحة، لا يكاد يصبر عنه من رآه {وَلِتُصْنَعَ على عينى} لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك وراقبك، كما يراعي الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به، وتقول للصانع: اصنع هذا على عيني أنظر إليك لئلا تخالف به عن مرادي وبغيتي. ولتصنع: معطوف على علة مضمرة، مثل: ليتعطف عليك وترأم ونحوه. أو حذف معلله، أي: ولتصنع فعلت ذلك. وقريء: {ولتصنع} و(لتصنع)، بكسر اللام وسكونها. والجزم على أنه أمر وقرئ: {ولتصنع} بفتح التاء والنصب، أي: وليكون عملك وتصرفك على عين مني.


{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)}
العامل في {إِذْ تمشى} (ألقيت) أو (لتصنع) ويجوز أن يكون بدلاً من {إِذْ أَوْحَيْنَآ} فإن قلت: كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصح- وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه- أن يقول لك الرجل: لقيت فلاناً سنة كذا، فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك. وربما لقيه هو في أوّلها وأنت في آخرها. يروى أن أخته واسمها مريم جاءت متعرّفة خبره، فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها، وذلك أنه كان لا يقبل ثدي امرأة فقالت: هل أدلكم؟ فجاءت بالأمّ فقبل ثديها. ويروى أن آسية استوهبته من فرعون وتبنته، وهي التي أشفقت عليه وطلبت له المراضع.
{وَقَتَلْتَ نَفْساً} هي نفس القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي. قتله وهو ابن اثنتي عشرة سنة: اغتمّ بسبب القتل خوفاً من عقاب الله ومن اقتصاص فرعون، فغفر الله له باستغفاره حين قال {رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فاغفر لِى} [القصص: 16] ونجاه من فرعون أن ينشب فيه أظفاره حين هاجر به إلى مدين {فُتُوناً} يجوز أن يكون مصدراً على فعول في المتعدّي، كالثبور والشكور والكفور. وجمع فتن أو فتنة، على ترك الاعتداد بتاء التأنيث، كحجوز وبدور، في حجزة وبدرة: أي فتناك ضروباً من الفتن. سأل سعيد بن جبير بن عباس رضي الله عنه، فقال: خلصناك من محنة بعد محنة: ولد في عام كان يقتل فيه الولدان، فهذه فتنة يا ابن جبير. وألقته أمّه في البحر. وهمّ فرعون بقتله. وقتل قبطياً وأجر نفسه عشر سنين. وضلّ الطريق وتفرّقت غنمه في ليلة مظلمة، وكان يقول عند كل واحدة: فهذه فتنة يا ابن جبير، والفتنة: المحنة، وكل ما يشق على الإنسان وكل ما يبتلي الله به عباده: فتنة قال: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]. {مَدْيَنَ} على ثماني مراحل من مصر.
وعن وهب: أنه لبث عند شعيب ثمانياً وعشرين سنة، منها مهر ابنته، وقضى أوفى الأجلين {ثَمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ يا موسى} أي سبق في قضائي وقدري أن أكلمك وأستنبئك وفي وقت بعينه قد وقته لذلك، فما جئت إلا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأخر. وقيل: على مقدار من الزمان يوحي فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة {واصطنعتك لِنَفْسِى}. هذا تمثيل لما خوّله من منزلة التقريب والتكريم والتكليم. مثل حاله بحال من يراه بعض الملوك لجوامع خصال فيه وخصائص، أهلاً لئلا يكون أحد أقرب منزلة منه إليه، ولا ألطف محلاً، فيصطنعه بالكرامة والأثرة، ويستخلصه لنفسه، ولا يبصر ولا يسمع إلا بعينه وأذنه، ولا يأتمن على مكنون سره إلا سواء ضميره.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8